فصل: لطيفة: {الحمد لله} ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.طبقات الحامدين:

وتتفاوت طبقات الحامدين في تباينهم في أحوالهم، فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعة ودفعه، وإزاحته وإتاحته، وما عقلوا من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم، قال جل ذكره: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}: [إبراهيم: 34]. وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، وأودع سرائرهم من مكنونات بره وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده، وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم، وتأمل خصائص القسم، وفرق بين من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجوب أفضاله كما قال قائلهم:
وما الفرق عن أرض العشيرة ساقنا ** ولكننا جئنا بلقياك نسعد

.لطيفة: {الحمد لله} ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية:

قوله: {الحمد لله} ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية، فمن قال هذه الثمانية عن صفاء قلبه استحق ثمانية أبواب الجنة. اهـ. فإن قيل لماذا كان التعبير بقوله: {الحمد لله} ولم يكن بأحمد الله؟
الجواب: لو قال أحمد الله أفاد ذلك كون ذلك القائل قادرًا على حمده أما لما قال: {الحمد لله} فقد أفاد ذلك أنه كان محمودًا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين فهؤلاء سواء حمدوا أو لم يحمدوا وسواء شكروا أو لم يشكروا فهو تعالي محمود منذ الأزل إلى الأبد لحمده القديم وكلامه القديم وأيضا لو قال: أحمد الله لكان قد حمد لكن لا حمدًا يليق به، وأما إذا قال الحمد لله فكأنه قال: من أنا حتى أحمده لكنه محمود بجميع حمد الحامدين. اهـ.
قال ابن جزي رحمه الله ما نصه: الحمد أعم من الشكر لأن الشكر لا يكون إلا بجزاء النعمة والحمد يكون جزاء كالشكر ويكون ثناء ابتداءا كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد لأن الحمد باللسان والشكر بالقلب واللسان والجوارح. فإذا فهمت عموم الحمد علمت أن قولك: {الحمد لله} يقتضي الثناء عليه لما هو من الثناء والعظمة والوحدانية والإفضاء والعلم وغير ذلك من الصفات. ما يتضمن معاني أسمائه الحسني التسعة والتسعين ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة والأولى، فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات.
واتفق دون عدة عقول الخلائق ويكفيك إن الله جعلها أول كتابه وأخر دعوى أهل الجنة، الشكر باللسان هو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التحدث بالنعم شكر». والشكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله وترك معاصيه والشكر بالقلب هو معرفة مقدار النعمة. والعلم بأنها من الله وحده، والعلم بأنها أفضل لا باستحقاق العبد، واعلم أن النعم التي تجب الشكر عليها لا تحصى، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام:
نعم دنيوية: كالعافية والمال، نعم دينية: كالعلم والتقوى. ونعم أخروية: هي جزاؤه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير. والناس في الشكر على مقامين: منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلي جميعهم، والشكر على ثلاث درجات: فدرجات العوام الشكر على النعم ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم على كل حال ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم، قال رجل لإبراهيم بن آدهم: الفقراء إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا أثروا. ومن فضيلة الشكر أنه من صفات الحق ومن صفات الخلق فإن من أسماء الله: الشاكر والشكور. اهـ.
بصيرة في الله:
وهو اسم مختصّ بالبارئ تعالى. وهو اسم الأَعظم عند جماعة من عظماءِ الأُمّة، وأَعلام الأَئمة. وممّا يوضّح ذلك أَنَّ الاسم المقدّس يدلّ على الأَسماءِ الحسنى من وجوه كثيرة سنذكرها إِن شاءَ الله. وللعلماءِ في هذا الاسم الشريف أَقوال تقارِب ثلاثين قولًا.
فقيل: معَرّب أَصله بالسّريانية لاها فحذفوا الأَلف، وأَتَوْا بأَلْ. ومنهم مَن أَمسك عن القول تورُّعًا، وقال: الذات، والأَسماءُ، والصّفات جلَّت عن الفهم والإِدراك. وقال الجمهور: عربي. ثمّ قيل: صفة؛ لأَنَّ العَلَم كالإِشارة الممتنع وقوعها على الله تعالى. وأُجيب بأَنَّ العَلَم للتعيين، ولا يتضمّن إِشارة حسّيّة. وقال الأَكثرون: عَلَم مرتجل غير مشتقّ. وعُزى للأَكثرين من الفقهاءِ، والأُصوليّين، وغيرهم. ومنهم الشافعي، والخَطَّابىّ، وإِمام الحرمين والإِمام الرازي، والخليل بن أَحمد، وسيبويه. وهو اختيار مشايخنا.
والدّليل أَنَّه لو كان مشتَقًّا لكان معناه معنى كليًّا لا يمنع نفسُ مفهومه من وقوع الشركة؛ لأَنَّ لفظ المشتقّ لا يفيد إِلاَّ أَنَّه شيء مّا مبهَم حصل له ذلك المشتقّ منه؛ وهذا المفهوم لا يمنع من وقوع الشركة فيه بين كثيرين.
وحيث أَجمع العقلاءُ على أَنَّ قولنا: لا إِله إِلاَّ الله يوجب التَّوحيد المحْض علمنا أَنَّه عَلَم للذات، وأَنَّها ليست المشتقَّات.
وأَيضًا إذا أَردنا أَن نذكر ذاتًا، ثمّ نصفه بصفات، نذكره أَوّلا باسمه، ثمّ نصفه بصفات.
نقول: زيدُ العالمُ الزَّاهدُ، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئ الْمُصَوِّرُ} ولا يرد: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ} لأَنَّ على قراءة الرّفع تُسقط السّؤال، وعلى قراءَة الجرّ هو نظير قولهم: الكتاب مِلْك للفقيه الصّالح زيد؛ ذكر زيد لإِزالة الاشتباه.
وقيل: بل هو مشتقّ، وعزاه الثَّعلبى لأَكثر العلماءِ.
قال بعض مشايخنا: والحقّ أَنَّه قول كثير منهم، لا قول أَكثرهم.
واستدلّ بقول رُؤبة:
لله دَرُّ الغانيات المُدّهِ ** سَبّحن واسترجعن من تأَلُّهى

فقد صرّح الشاعر بلفظ المصدر، وبقراءَة ابن عبّاس: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}.
ثمّ قيل: مادّته ل ى هـ من لاه يليه إِذا ارتفع؛ لارتفاعه تعالى عن مشابهة المِثليّات.
وقيل: مادّته ل وهـ من لاه يلوه إِذا احتجب؛ لاحتجابه تعالى عن العقول والعيون، أَو من لاه يلوه: اضطرب؛ لاضطراب العقول والأَفهام دون معرفة ذاته وصفاته، أَو من لاه البرقُ يَلُوه: إِذا لمَعَ وأَضاءَ؛ لإِضاءَة القلوب، ولمعانها بذكره تعالى ومعرفته، أَوْ: لاه الله الخلقَ يَلُوههم: أَى خَلَقَهم.
وقيل: مادّته أَ ل ه من أَلِه إِليه يألَهَ كِسمع يسمع- إِذا فَزِعَ إِليه؛ لأَنَّه يُفزَع إِليه في المهمّات.
قال ابن إِسحاق، أَو من أَلِه: سكن لأَنه يَسكن إِليه القلوب والعقول؛ قال المبرّد، أَو من أَلِه يَأْلَهُ أَلَهًا- كفرح يفرح فرحا- إِذا تحيّر، قاله أَبو عمرو بن العلاءِ.
ومعناه أَنَّه تَحَيّرُ العقول في إِدارك كمال عظمته، وكُنْه جلال عزّته، أَو من أَلِهَ الفَصِيلُ إِذا أُولع بأمّه.
وذلك لأَنَّ العباد مولَعون بالتضرّع إِليه في كلّ حال، أَو من أَلَهَ يَأْلُهُ إِلهةً وتَأَلُّهًا كعَبد يعبُدُ عبادَةً وتَعَبُّدًا زنةً ومعنى، قاله النَّضر بن شُمَيْل.
والمعنى: المستحِقّ للعبادة، أَو المعنى: المعبود.
فعلى الأَوّل يرجع لصفة الذَّات، وعلى الثاني لصفة الفعل، قاله الماوردىّ.
وصحّح الأَوّل؛ لما يلزم على الثاني من تسمية الأَصنام آلِهة، لأَنَّها عُبِدت، هكذا قال، وفيه بحث.
وهو أن المراد بالمعبود المعبودُ بالحقّ أَيضًا.
وقيل: مادّته ولَ هـ من وَلِهَ من قوله: طرِب أُبدلت الهمزة من الواو؛ كما قالوا في وِشاح.
وسُمّى بذلك لطرب العقول والقلوب عند ذكره.
وحُكى ذلك عن الخليل، وضعّف بلزوم البدل، وقولِهم: آلِهة.
ولو كان كما ذكر لقيل أَوْلهة كأَوشحة.
ويجوز أَن يجاب بأَنّه لمّا أَبدلت الهمزة من الواو في تمام التصاريف حيث قالوا أَلِهَ أَلَها صارت الهمزة المبرزة كالأَصلية.
فخالف ما نحن فيه إِشاح، فإِنَّها ليست أَصلًا، ولا شبيهة به.
قال اللَّغويّون- ومنهم أَبو نصر الجوهرى- أَلِه يأْلَه أَلَها، وأَصله: وَلِه يَوْله وَلَها.
وحاصل ما ذكر في لفظ الجلالة على تقدير الاشتقاق قولان.
أَحدهما: لاَه.
ونُقل أَصل هذا عن أَهل البصرة.
وعليه أَنشدوا:
بحَلْفة من أَبى رِيَاح ** يسمعه لاهُهُ الكُبَار

والثاني: إِلاَه.
ونقل عن أَهل الكوفة.
قال ابن مالك: وعليه الأَكثرون، ونقل الثعلبى القولين عن الخليل، ونقلهما الواحدىّ عن سيبويه.
ووزنه على الأَوّل فَعَل، أَو فَعِل، قلبت الواو والياءُ أَلِفًا، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وأُدخلت أَلْ، وأُدغمت اللاَّم في اللاَّم، ولزمت أَل، وهى زائدة؛ إِذ لم تفد معرفةً؛ فتعرُّفُه بالعلميّة.
وشذّ حذفها في قولهم: لاهِ أَبوك، أَى لله؛ كما حذفت الأَلف في قوله:
أَقْبلَ سيل جاءَ مِنْ عِنْدِ اللهْ

وقيل: المحذوف في لاه اللاَّم التي من نفس الكلمة.
وقال سيبويه في باب الإِضافة: حذفوا اللامين من لاه أَبوك.
حذفوا لام الإِضافة ثمّ حذفوا اللام الأُخرى؛ ليُخَفِّفوا على اللِّسان.
وقال في باب كم: وزعم الخليل أَن قولهم لاهِ أَبوك، ولقيته أَمسِ، إِنَّما هو على: لله أَبوك ولقيته بالأَمس؛ ولكنهم حذفوا الجارّ والأَلف واللام: تخفيفًا على اللسان.
وظاهر هذا الكلام يوافق القول الأَوّل.
ووزن أَصل لفظ الجلالة على الثاني- أَعنى قول الكوفيّين- فِعال، ومعناه مفعول؛ كالكتاب بمعنى المكتوب؛ ثم قيل أُدخلت أَلْ على لفظ إِلاه، فصار الإِلاه، ثمّ نقلت حركة الهمزة إِلى لام التعريف، وحذفت الهمزة فصار أَلِلاَه، ثمّ أُدغم فصار أَلله، وقيل: حُذِفت الهمزة ابتداءً، كقولهم في أُناس: ناس، ثم جئَ بأَل عوضًا عنها، ثمّ أُدغم.
ولم يذكر الزمخشري في الكشَّاف غيره.
وهو محكىّ عن الخليل.
وأَل في الله إِذا قلنا: أَصله أَلِلاَه قالوا للغلبة.
قرّروه بأَنَّ إِلاه يطلق على المعبود بالحقّ والباطل، والله مختصّ بالمعبود بالحقّ، فهو كالنَّجم للثُريّا.
ورُدّ بأَنه بعد الحذف والنَّقل لم يُطْلق على كلّ إِله، ثمّ غلب على المعبود بالحقّ.
وقد ينفصل عنه بأَنَّ القائل بهذا أَطلق عليها ذلك؛ تجوّزًا باعتبار ما كان؛ لأَن اللفظة منقولة من أَلِلاَه وأَل في أَلِلاَه للغلبة.
فهى في لفظ الله على هذا مثلُها في عَلَم منقول من اسمٍ أَل فيه للغلبة.